في اسطنبول تشعر وكأنّك في بيتك، ولن أزاود وأضيف كأنك في وطنك لأنه شعورٌ لم اختبره من قبل.
ترعرعت في الكويت. أجبتُه بوضوح: “هنا وطني وأنا أُحبه”. ردّ عليّ ذاك القريب القادم من الوطن: “لا، ليس هنا وطنُك بل فلسطين.”
“لكني لا أعرف فلسطين أعرف هنا وأحبُّ هنا.” كان ردي حازمًا على إزعاجه لي وأنا لم أتجاوز العاشرة بعد.
كان عام ١٩٩١ فاصلًا وغادرتُ الكويت، لأنه اتضح أن مكان ولادتي لم يكن بالفعل الوطن.
“لم تغادرين؟ وسائل الإعلام تكذب، هل آذاكم أحدٌ هنا؟” سألتني تلك الفاضلة في مركز الاتصالات وهي غاضبةٌ منّا وربما لنا.
أجبتها باقتضاب:” لا، فقط عليّ أن أكمل دراستي، وهنا لم يَعُد ممكنا”. وأكملت في صمت: “ولم يعُد الوطن!”.
قدمت للأردن. لن تمُرّ أيامك دون أن يذكرك المحيط بأنك والملوخية والجسر علاقة مركبة مترابطة متشابكة، وقد كنت جدُّ حذِرة هذه المرة.
“إذن جدّتُك هي من استخرجت طلب التصريح لأبيك؟”. أجبته للمرة العاشرة:” لا يا سيدي، عمتي وليس جدتي”. لأني أعلم يقينًا حينها أن جدتي رحمها الله قد توفيت قبل ٦ سنوات، والضابط لا يعرف سوى أنني مشروع بطاقة أصفر يوجب سحب الجنسية مني وفقا لقرار فك الارتباط.
لو كانت البطاقة الصفراء مع أبي، هل خلتَه سيترك شجر البرتقال والليمون واللوز والتين خلفه ويقبع هنا بعيدًا عن الوطن، وهو الذي يعرف تمامًا ماهية الوطن.
حفظت الدرس جيدًا ولن أخطأ هذه المرة، فقد كبرت ووعيت. لن أجيب عن سؤال ذاك القريب بأني أحببت هنا وأن الأردن هو الوطن.
كفلسطيني ينشأ بلا وطن يترعرع هنا ويستقر هناك، وقد يخدعه قلبُه ويظن أنه في الوطن.
لكن لا…
لا تقلقوا .. فلسطين هي الوطن وأن أكون في الوطن هو شعورٌ لم أختبره بعد.
دمتم في أوطانكم خيرًا واستقرارا.
فاطمة عيسى اسطنبول ١٩ يناير ٢٠١٦