أجرى الله على أيدي الأنبياء أمورًا خارقة لنواميس الكون نُسميها المُعجزات.
والمعجزة هي دليل وإثبات يجريه الله على أيدي أنبياءه سواء أكان الإثبات حسي أو معنوي، ولا يستطيع أيّ أحد من البشر على المجيء بمثلها؛ لأنّها من عند الله عزّ وجل. والمعجزة تكون بالضرورة سالمة عن المعارضة، فمتى أمكن أن يعارض هذا الأمر ويؤتي بمثله، بطل أن تكون معجزة، أي إذا استطاع الإنسان منّا فعل ومحاكاة ذلك الأمر تنتفي عنه صفة الإعجاز.
يعني خروج ناقة مِن الصخر أو إحياء الموتى أو تحويل العصا إلى أفعى تدب فيها الحياة وتسعى … كل هذه معجزات خارقة ولا يستطيع الإنسان أن يأتي بها بنفسه.
وكذلك هي معجزات القرآن الكريم – الحقيقية-.
فالقرآن مُعجزٌ بفصاحته وبلاغته وبيانه (سواء أنظرنا للإعجاز مِن حيث الصياغة اللغوية والبلاغية أو مِن حيث تفرد معانيه وإشباعها للفطرة والعقل).
أما أن يأتي أناس يؤولون ما جاء في القرآن مِن ذكر لبعض الظواهر الطبيعية لتتوافق مع نظريات حديثة باعتبار ذلك “إعجاز علمي” فهذا مردودٌ عليهم.
يقوم المؤمنون بالإعجاز العلمي بتأويل أيات القرآن الكريم لتناسب فهم الإنسان في عصرنا الحالي لبعض الظواهر والنظريات العلمية؛ ويدّعون أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن باستطاعته كشخص (ضمن المعرفة المتوفرة في زمانه) لم يكن باستطاعته الحديث عن هذه الظواهر وبالتالي فورودها في القرآن هو دليلٌ على أنّ القرآن مِن عند الله.
لنتذكر أن القرآن هو الرسالة الموجهة لكافة البشر ولكافة العصور، فلو كان باستطاعة بشر أن يُحاكي معجزة مِن معجزات القرآن (كإدراك الحقائق العلمية بالأساليب العلمية والمخبرية) فإننا بذلك ننفي (ولا نثبت) القول بأن القرآن هو من عند الله.
يعني تخيلوا لو أن معجزة لأحد الأشخاص كانت “جهاز مذياع” الأمر الذي قد يبدو معجزا فعلا في عصرٍ ماضٍ، ثم أتى الإنسان وأخترع هذا الجهاز، فهل يُعتبر وجود جهاز المذياع في عصرٍ سابق معجزة إلهية؟ بالقطع لا.
ناهيكم عن أن فهم الإنسان لهذا الكون هو دائمًا قاصر وعُرضة للتغير – فما أكثر القوانين والفرضيات العلمية التي كانت مِن المُسلّمات قبل عقود وقد نقضها العلماء الآن – بفهمهم الحالي.
فما أبشع موقف مَن يؤيدون فهم الإنسان المعاصر للظواهر الطبيعية بتأويل من القرآن الكريم ليأتينا بعدها فهم جديد لهذه الظواهر فيتنفي بذلك القرآن (حاشا أن ينتفي القرآن طبعا) لأنه رُبط بنظريات معرضة للتغير.
نؤمن بأن القرآن هو كتاب الله المُحكم المُعجز وقد وصفه الله تعالى بذلك فقال عزوجل:
(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)
(لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)
أما ما يُسمى “بالإعجاز العِلمي” للقرآن ليس مِن الإعجاز في شيء طالما أنه محض تأويلٍ ليتوافق مع ما يتوصل إليه الإنسان مِن نظريات قابلة للتغير. كتأويلهم وقولهم إن القرآن تحدث عن نظرية الأكوان الموازية على سبيل المثال. فلا العلم قطعي ويقيني ولا الأيات التي يستدلون بها قطعية الدلالة.
فما حاجتنا بالله عليكم لهذا الابتذال؟ أهي الدعوة إلى الله وإقناع الناس بصدق القرآن؟ أليست أوجه الإعجاز اللغوية والبيانية بكافية (حتى عند الذي لا يفهم العربية) وألم تكن هي ما تحدى بها القرآن البشر؟
لا نستنبط من القرآن الكريم دلائل علمية فيزيائية لأن النصوص القرآنية المتعلقة بها مُجملة غير مفصلة وهي حمّالة أوجه. كما أن الله عزّ وجل ترك السنن الكونية (الفيزياء والمادة) والبحث فيها للإنسان بحسب سعته وقدرته وعصره، فلا ينبغي أن ترتبط بالمعتقدات أو الأفكار.
مثال صغير أضربه للتدليل على خطورة فكرة اعتماد القرآن ككتاب علمي فيزيائي، هو ما أُثير حول كروية الأرض.
فقد ذهب بعض مَن يقول بكرويتها إلى القول: “الأرضُ في ديننا كرويةٌ وهذا ثابتٌ بالكِتابِ والسنةِ و إجماعِ أهلِ العلم.”
يعني من لم يعتقد بكروية الأرض صار خارجًا عن الإسلام؟!
طيب وهل يجب على المسلم أن يعتقد أن الشمس تغرب في عينٍ حمئة؟
ولا شك أن مثل هذه الطروحات (التي لا تُقدّم ولا تؤخر) قد جرّت على المسلمين الويلات. ولنا في قضية خلق القرآن عِبرة.
إذا ماذا نفعل؟ الإجابة أن المسلم مطالبٌ بالآخذ بظواهر القرآن حتى يسلم من التحريف والتكذيب بها (خالفت أو وافقت العلم التجريبي). يعني حتى لو عارض القرآن نظرية علمية (حتى لو سُمّيت حقيقة علمية) فإننا نقف عند ظاهر الآية ولا نأولها.
ولا نقبل أن نضع أنفسنا في موقف التابع والضعيف، كأننا عالة على الغرب، ننتظر منهم كل جديد في العلم والمعرفة لنبحث عنه في القرآن لنقول لهم بثقة وحزم “قديمة، هذه الحقيقة مذكورة في القرآن منذ ١٤٠٠ سنة”. طيب ما دامت مذكورة لماذا لم تسبقوا بها الغرب؟ طيب لماذا لم تقولوا مرة واحدة أن الغرب أتى بنتيجة علمية خاطئة لأن القرآن يقول بضدها؟ لماذا كل ما يأتي به الغرب مصدقٌ من القرآن؟!
وهذا كله لا يتناقض مع أنه يجدر بنا أن ننظر إلى الدنيا كلها بهدي القرآن والإسلام. ولا خلاف في أن نرى ونتلمس الإشارات الربانية ونستشعر ونحن نستكشف هذا الكون المعجزات التي تنعقد لها الألسن ويستسلم فيها الإنسان مدركًا عظمة الخالق سبحانه وتعالى وكيف أنه سخّر هذه الدنيا لنا … فالتفكر في هذا الكون وفي خلق الله عز وجل مطلبٌ إلهي.