واكبنا على مر المئة عام الفائتة انهيار دولة الخلافة الإسلامية وما تلاها من تمزق بلاد المسلمين وهوانهم حتى تداعى الأكلة على نهب ثرواتهم ووضع الشعوب الممزقة تحت كانتونات تديرها منظومات عميلة خسيسة لا تراعي فيهم إلا ولا ذمة، ولا هَمَّ لها إلا سحق شعوبنا والحط من قدرها ومنعها من إعادة دولة الخلافة والتوحد. وسرت في أوصال الأمة سموم القومية والقطرية والعشائرية.
وقامت خلال تلك الفترة العديد مِن الحركات الإسلامية والتي سعت مخلصةً لتغيير الواقع، برؤى وأفهام مختلفة. فمنهم مَن رأى أن الحل يكمن في العبادة والروحانيات ودعوة الناس إلى العودة إلى ذلك كما فعلت جماعة التبليغ والدعوة ومنهم مَن رأى أن الحل يكمن في العلم: التوحيد وعلم الحديث ليعود الناس إلى العقيدة الصحيحة كما فعلت الحركة السلفية ومنهم مَن رأى أن الحل يكمن في إصلاح الفرد (من نواح متنوعة) لتصلح العائلة والحي فالمجتمع فالدولة كما فعلت حركة الإخوان المسلمون ومنهم مَن رأى أن الحل يمكن (بعد تجاوز مرحلتين قصيرتين) هو في طلب النصرة من الجيوش العربية والإسلامية كما فعل حزب التحرير ومنهم مَن رأي أن الحل يمكن في القوة المُسلحة والمواجهة المباشرة كما فعلت حركة الجهاد وبناتها.
وها قد مضت عشرات السنين، وأبلت كل هذه الحركات بقدر ما استطاعت مِن بلاء دون تحقيق أي إنجازٍ على الأرض. ولكن ما يثير التساؤل حقًا هو عدم تراجع أيٍ منها عن ”طريقتها“ في العمل رغم أنها أثبتت عدم جداوها. لم نسمع عن مراجعات دورية لما يجري تحقيقه على الأرض وتطوير الآليات والفهم لمواجهة الواقع في حال الفشل. لقد وصلت الحركات الإسلامية إلى حالة جمودٍ فكري حقيقي.
فها هي جماعات التبليغ والسلفية قد تصالحت مع الأنظمة الاستعمارية وها هي حركات الجهاد قد سُحقت واستغلت مِن قبل الأنظمة والغرب شر استغلال، وها هم الإخوان المسلمون قد حُرقّوا ولما يبدلوا ”سلميتهم الأقوى من الرصاص“ وها هم حزب التحرير لا يزالون يحلمون بمرتزقة يعملون تحت أرجل الغرب أن ينصروا الإسلام.
احترم وبحق الكثير من العاملين في هذه الجماعات، لأنني خبرتهم عن قرب وخبرت صدق وإخلاص الكثير منهم. ولكن احترامي هذا لا يمنعني من أن أوجه الأنظار إلى جملة الأخطاء الجوهرية والجمود الذي أصابها.
استمرار العقليات الحالية لن يعني سوى استمرار الأمة في هوانها وتراجعها. فصار لا بد مِن إعادة النظر وتقييم كافة الجهود التي بُذلت والتوصل إلى آليات جديدة – والأهم – المواظبة على التقييم.